سورة النمل - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


{وَأَلْقِ عَصَاكَ} لتعلم معجزتك فتأنس بها وهو عطف على {بورك} لأن المعنى نودي أن بورك من في النار وأن ألق عصاك كلاهما تفسير ل {نودي} والمعنى قيل له بورك من في النار وقيل له ألق عصاك، ويدل عليه ما ذكر في سورة القصص {وأن ألق عصاك} بعد قوله {أَن يَا موسى إِنّى أَنَا الله} [القصص: 30] على تكرير حرف التفسير {فَلَمَّا رَءاهَا تَهْتَزُّ} تتحرك حال من الهاء في {رَءاهَا} {كَأَنَّهَا جَانٌّ} حية صغيرة حال من الضمير في {تهتز} {وَلِىُّ} موسى {مُدْبِراً} أدبر عنها وجعلها تلي ظهره خوفاً من وثوب الحية عليه {وَلَمْ يُعَقّبْ} ولم يلتفت أولم يرجع. يقال قد عقب فلان إذا رجع يقاتل بعد أن ولى فنودي {ياموسى لاَ تَخَفْ إِنّى لاَ يَخَافُ لَدَىَّ المرسلون} أي لا يخاف عندي المرسلون حال خطابي إياهم أولا يخاف لدي المرسلون من غيري {إَلاَّ مَن ظَلَمَ} أي لكن من ظلم من غيرهم لأن الأنبياء لا يظلمون، أو لكن من ظلم منهم من زل من المرسلين فجاء غير ما أذنت له مما يجوز على الأنبياء كما فرط من آدم ويونس وداود وسليمان عليهم السلام {ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً} أي أتبع توبة {بَعْدَ سُوء} زلة {فَإِنّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أقبل توبته وأغفر زلته وأرحمه فأحقق أمنيته وكأنه تعريض بما قال موسى حين قتل القبطي: {رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى فاغفر لِى فَغَفَرَ لَهُ}.
{وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ} جيب قميصك وأخرجها {تَخْرُجْ بَيْضَاء} نيرة تغلب نور الشمس {مِنْ غَيْرِ سُوء} برص وبيضاء ومن غير سوء حالان {في تسع آيات} كلام مستأنف و{في} يتعلق بمحذوف أي اذهب في تسع آيات أو وألق عصاك وأدخل يدك في جملة تسع آيات {إلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ} {إلى} يتعلق بمحذوف أي مرسلاً إلى فرعون وقومه {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فاسقين} خارجين عن أمر الله كافرين.


{فَلَمَّا جَاءتْهُمْ ءاياتنا} أي معجزاتنا {مُبْصِرَةً} حال أي ظاهرة بينة جعل الإبصار لها وهو في الحقيقة لمتأمليها لملابستهم إياها بالنظر والتفكر فيها، أو جعلت كأنها تبصر فتهدي لأن الأعمى لا يقدر على الاهتداء فضلاً أن يهدي غيره ومنه قولهم (كلمة عيناء وعوراء) لأن الكلمة الحسنة ترشد والسيئة تغوي {قَالُواْ هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ} ظاهر لمن تأمله وقد قوبل بين المبصرة والمبين {وَجَحَدُواْ بِهَا} قيل: الجحود لا يكون إلا من علم من الجاحد وهذا ليس بصحيح، لأن الجحود هو الإنكار وقد يكون الإنكار للشيء للجهل به وقد يكون بعد المعرفة تعنتاً كذا ذكره في شرح التأويلات. وذكر في الديوان يقال جحد حقه وبحقه بمعنى. والواو في {واستيقنتها} للحال و(قد) بعدها مضمرة والاستيقان أبلغ من الإيقان {أَنفُسِهِمْ} أي جحدوها بألسنتهم واستيقنوها في قلوبهم وضمائرهم {ظُلْماً} حال من الضمير في {وجحدوا} وأي ظلم أفحش من ظلم من استيقن أنها آيات من عند الله ثم سماها سحراً بيناً {وَعُلُوّاً} ترفعاً عن الإيمان بما جاء به موسى {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المفسدين} وهو الإغراق هنا والإحراق ثمة.
{ولقد ءاتينا} أعطينا {داوود وسليمان علماً} طائفة من العلم أو علماً سنياً غزيراً والمراد علم الدين والحكم {وقالا الحمد لله الذي فضّلنا على كثيرٍ مّن عباده المؤمنين} والآيات حجة لنا على المعتزلة في ترك الأصلح وهنا محذوف ليصح عطف الواو عليه ولولا تقدير المحذوف لكان الوجه الفاء كقولك (أعطيته فشكر)، وتقديره: آتيناهما علماً فعملا به وعلماه وعرفا حق النعمة فيه وقالا الحمد لله الذي فضلنا، والكثير المفضل عليه من لم يؤت علماً أو من لم يؤت مثل علمهما، وفيه أنهما فضلا على كثير وفضل عليهما كثير. وفي الآية دليل على شرف العلم وتقدم حملته وأهله، وأن نعمة العلم من أجلّ النعم، وأن من أوتيه فقد أوتي فضلاً على كثير من عباده، وما سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورثة الأنبياء إلا لمداناتهم لهم في الشرف والمنزلة لأنهم القوام بما بعثوا من أجله، وفيها أنه يلزمهم لهذه النعمة الفاضلة أن يحمدوا الله على ما أوتوه، وأن يعتقد العالم أنه إن فضل على كثير فقد فضل عليهم مثلهم، وما أحسن قول عمر رضي الله عنه: كل الناس أفقه من عمر رضي الله عنه.


{وورث سليمان داود} ورث منه النبوة والملك دون سائر بنيه وكانوا تسعة عشر قالوا: أوتي النبوة مثل أبيه فكأنه ورثه وإلا فالنبوة لا تورث {وقال يا أيّها النّاس علّمنا منطق الطّير} تشهيراً لنعمة الله تعالى واعترافاً بمكانها ودعاء للناس إلى التصديق بذكر المعجزة التي هي علم منطق الطير. والمنطق كل ما يصوت به من المفرد والمؤلف المفيد وغير المفيد، وكان سليمان عليه السلام يفهم منها كما يفهم بعضها من بعض. روي أنه صاحب فاختة فأخبر أنها تقول: ليت ذا الخلق لم يخلقوا، وصاح طاوس فقال: يقول: كما تدين تدان، وصاح هدهد فقال: يقول: استغفروا الله يا مذنبين، وصاح خطاف فقال: يقول: قدموا خيراً تجدوه. وصاحت رحمة فقال: تقول: سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه. وصاح قمري فأخبر أنه يقول: سبحان ربي الأعلى. وقال: الحدأة تقول كل شيء هالك إلا الله. والقطاة تقول من سكت سلم. والديك يقول: اذكروا الله ياغافلين والنسر يقول: يابن آدم عش ما شئت آخرك الموت. والعقاب يقول: في البعد من الناس أنس. والضفدع يقول: سبحان ربي القدوس {وأوتينا من كلّ شيءٍ} المراد به كثرة ما أوتي كما تقول فلان يعلم كل شيء ومثله {وأوتيت من كل شيء} {إنّ هذا لهو الفضل المبين} قوله وارد على سبيل الشكر كقوله عليه السلام: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» أي أقول هذا القول شكراً ولا أقوله فخراً، والنون في {علمنا} و{أوتينا} نون الواحد المطاع وكان ملكاً مطاعاً فكلم أهل طاعته على الحال التي كان عليها وليس التكبر من لوازم ذلك.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8